فن الإدارة : الإدارة الهندسية وادارة المشاريع

6 ماي 2011

جهاز أعلى لإدارة المشاريع … الرأي والرأي الآخر

Filed under: Uncategorized — bageis111 @ 11:07 ص

كثر الحديث في الآونة الأخيرة، خاصة بعد مؤتمر إدارة المشاريع الثالث عن الحاجة من عدمها إلى جهة عليا على مستوى الدولة ـــ حرسها الله ــــ تتولى مهمة مرجعية إدارة مشاريع البلد. وقد جاءت توصية المؤتمر بإنشاء جهاز أعلى يتبع للمقام السامي مباشرة، ليكون المرجعية العليا والأداة التنفيذية للقيادة العليا، وحلقة الوصل التنظيمية بين خادم الحرمين الشريفين والأجهزة الحكومية التنفيذية، وذلك للإشراف على المشاريع الحكومية في المملكة. وما إن أُعلنت هذه التوصيات إلا ووجدنا المؤيد والمعارض.

عموما أجد أن الحديث حول هذا الأمر ـــ حتى بوجود النقد لهدف النقد فقط ـــ هو نقاش صحي، وربما يفتح لمتبني فكرة الجهاز الأعلى ما يعزز به طرحه، ويبدأ أول الخطوات لإقناع أصحاب الرأي الآخر بأهمية التعاون مع هذا الجهاز إذا ما أقر. مع تحفظي قليلا على من يكتب ويشارك في النقاش وهو غير متخصص أو ممارس لإدارة المشاريع.

ومن قراءتي لما طرح من نقاش حول هذا الموضوع، أجد أن هناك لبسا في فهم ما تم الدعوة إليه. وربما يكون من أسباب هذا اللبس صيغة التوصية المذكورة أعلاه، خاصة في عبارة ”والأداة التنفيذية للقيادة العليا”، وكان الأولى من وجهة نظري ولفهمي ما دعا إليه المؤتمر، الذي حضرت جميع جلساته أن تكون العبارة كالتالي: ”والأداة الإشرافية والتنظيمية للقيادة العليا”.

اللبس جاء من فهم البعض أن هذا الجهاز سيكون من ضمن مهامه الرئيسة تنفيذ المشاريع مع أن المتمعن لكامل التوصيات للمؤتمر (التي تم نشرها في جريدتنا الغراء ”الاقتصادية” عن طريق مقال لرئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر المهندس حمد اللحيدان بتاريخ 22/05/1432هـ)، يجد أن التوصية ذكرت تسع مهام رئيسة لهذه الهيئة لم يأت من بينها ولا مهمة واحدة تتحدث عن تنفيذ المشاريع من قبل الجهاز، وإنما وعلى العكس جاء شرح المهام بعبارات تشمل التعاون المشترك بين هذا الجهاز وأجهزة الدولة المعنية في تطوير خطة تفصيلية وتنفيذية للمشاريع، وتطوير منهجية علمية وعملية لإدارة المشاريع، والإشراف والرقابة على التنفيذ، ووضع خطط شاملة لتأهيل وتدريب وترخيص الكوادر الوطنية، وتأهيل للمؤسسات والشركات، وإعادة صياغة نظام المشتريات، وإعادة صياغة العقود بالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية… إلخ. كل هذه العبارات تشير إلى دور كبير غائب في الفترة الحالية وضروري بأن يُتبنى من قبل جهاز معتبر له صلاحيات ويحظى بالدعم من القيادة العليا للدولة حتى يتمكن من أداء مهامه ووضع الخطط والإشراف على التنفيذ ومتابعة سير المشاريع وتوقع الخلل قبل حدوثه ويمارس الإرشاد والتوجيه لتصحيح المسار وإجراء التعديلات في اللوائح والأنظمة ذات العلاقة إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك لا الاكتفاء باقتراحها والعمل على تطوير صناعة إدارة المشاريع وتوفير سبل ما يكفل تقدمها ويعالج ما يعوق ذلك.

من المهم أن نعي أن المهام الإشرافية والتطويرية يفضل أن تكون من خارج المنظومة القائمة على التنفيذ وبالتنسيق والتواصل معها حتى يتحقق الحياد ويحصل التفرغ للأفكار والأعمال التطويرية. وهنا والكل يعلم أن بسبب ضغط العمل يلجأ الكثيرون إلى تسيير العمل لا إلى تطويره، وبالتالي قد ينجح في التسيير، ولكن يفشل في التطوير، ولذلك اهتمت منظمات رائدة في العالم لإيجاد ما يسمى بإدارة الأبحاث والتطوير، التي تُعنى بسد الخلل في الجانب التطويري، وبهذا جُعلت هذه الإدارة ضمن الهيكل التنظيمي للمنظمات فيحصل بذلك التواصل والمعرفة بأعمال باقي الإدارات، ويُعد من خلالها اقتراح خطط التطوير والتفرغ بتوفير ما يدعم تطبيق الخطط ومراجعتها وتقييمها وأخذ التغذية الراجعة والعمل بمبدأ التطوير المستمر.

هناك من يخشى من زيادة نسبة البيروقراطية بإنشاء مثل هذه الهيئة، ويخشى من أن يساعد هذا على فتح منافذ للفساد، والبعض الآخر يرى أن الأدوار المشار إليها في توصيات المؤتمر تندرج ضمن نطاق عمل الهيئة السعودية للمهندسين، ويعد اقتراح مثل هذا الجهاز من هيئة المهندسين ما هو إلا تملص منها من القيام بواجباتها، وهناك من يقول كيف سيقوم جهاز مركزي بمتابعة مشاريع متفرقة في بلدنا مترامية الأطراف، وهناك من يقول ما مصير الإدارات الموجودة الآن كإدارة لإدارة المشاريع في كثير من الجهات والهيئات الحكومية، والآخر يقول إنشاء مثل هذا الجهاز سيولد حربا ضروسا بين الجهات المنفذة للمشاريع، وبين هذا الجهاز المتأمل إنشاؤه، وهناك آراء متفرقة أخرى قد يعتذر المقام لحصرها.

وعند النظر في هذا النقد البناء نجد أن تساؤلات وتخوفات المنتقدين قد تكون في محلها، ولكن يكون دور الجهاز الأعلى لإدارة المشاريع ـــ إذا ما أقرــــ في الإجابة عليها والعمل على تبديد هذه المخاوف. فالقول إن مثل هذا الجهاز سيزيد من البيروقراطية وسيفتح منافذ للفساد، نقول أولا وهل سلمنا من البيروقراطية ومداخل الفساد بالممارسة الحالية وبعيدا عن وجود هذا الجهاز؟ ثم إن إنشاء هذا الجهاز سيكون من أهدافه الرئيسة حل مشكلات البيروقراطية ومكافحة الفساد في المشاريع اللذين يعدان من أهم أسباب فشل المشاريع. وأيضا نقول إن هذا التخوف يعد من أكبر تحديات هذا الجهاز.

ثم إنه في علم إدارة المشاريع وأيضا من خلال أفضل ممارساته نجد أنه هناك ما يسمى بمكتب إدارة المشاريع PMO ـــ حسب مبادئ إدارة المشاريع الصادر من معهد إدارة المشاريع الأمريكي PMI ـــ وهناك ما يسمى مركز التميز Centre of Excellence ـــ حسب مبادئ إدارة المشاريع المستخلص من منهجية إدارة المشاريع المُحكمة PRINCE2 المتبنى من قبل جمعية إدارة المشاريع البريطانية APM ـــ والتي تعد إدارة مركزية تُعرف نظام العمل وتحافظ على معاييره، وتسعى لتوحيد وإدخال اقتصاديات التكرار Standardization في تنفيذ المشاريع، وهي مصدر الوثائق والإرشاد والمقاييس المطلوبة في ممارسة إدارة المشاريع وتنفيذها، وتعتبر المُعين الأول لجميع مديري المشاريع أينما كانوا في أي جهة أو إدارة. فهذا التوجه ليس بجديد على الدول أيضا، حيث نجد أن هناك أكثر من 65 دولة حول العالم لديها جهة معنية بإدارة مشاريعها.

أما من يقول إن مهام هذا الجهاز المدعو إلى إقامته يندرج ضمن نطاق عمل الهيئة السعودية للمهندسين، فنقول بالرجوع إلى اللائحة التنفيذية لها نجد أن هذا ليس من مهامها، فضلا على أن الهيئة هي هيئة مهنية علمية، وليست بتشريعية، ولذلك ما عليها هو الاقتراح والرفع لصاحب الصلاحية فقط، وهذا كما نصت المادة الثانية منها ”إبداء المقترحات التي تراها مناسبة للقرارات والتعليمات المتعلقة بالمهنة، وتقديم المشورة الفنية في مجال اختصاصها وفقاً للضوابط التي يقرها مجلس إدارة الهيئة”.

أما القول بأن إنشاء مثل هذه الهيئة سيولد حربا ضروسا بين الجهات المنفذة للمشاريع وبين هذا الجهاز المؤمل إنشاؤه، فنقول إن هذه نظرة فيها شيء من التشاؤمية واعتقاد قد لا يكون في محله، فالجهات المنفذة حريصة على تنفيذ مشاريعها بشكل مميز، ولن تمانع من تقبل المساعدة بصدر رحب، بل إن العمل بشكل تكاملي سيكون الهدف الأوحد، وإن إنشاء هذا الجهاز سيوفر على الجهات الحكومية الأخرى أعمالا تنسيقية كثيرة وكبيرة تكون في أغلب الأحيان أحد أهم أسباب فشل المشاريع، كما سيوفر عليها النقد إذا ما عملت بتوصيات ومعايير ومنهجية هذا الجهاز، وعملت بأفضل الممارسات التي سيتم توفيرها من قبل مختصين في المجال، وستتفرغ لأداء مهامها الأساسية.

إنشاء هذه الهيئة لن يكون الحل الفوري لجميع المشكلات التي نعانيها في تنفيذ مشاريعنا، ولكن سيكون الخطوة الأولى في الاتجاه لما نصبو إليه، ثم قيام هذا الجهاز بواجباته وتجاوزه للصعاب والتحديات وتعاون الجهات الأخرى معه سيكون الأمل في الوصول من الواقع الحالي إلى المأمول، وهناك فوائد عديدة من إنشائه منها على سبيل المثال لا الحصر: سيحل ـــ بمشيئة الله تعالى ـــ مشكلة تبعثر معلومات المشاريع لأكثر من جهة رسمية، أيضا سيحل مشكلة التمثيل الحكومي القوي، وبالتالي توصياته ستكون ملزمة، أيضا سيحل مشكلة جمود الأنظمة واللوائح، فبوجود هذا الجهاز سيكون من شأنه مراجعة الأنظمة واللوائح وتعديلها لا اقتراح تعديلها، وتأمين مبدأ التطوير المستمر، وأيضا سيحل مشكلة صياغة اللوائح من قبل غير المختصين، وبالتالي اللوائح لن يكتبها قانونيون فقط بل مهندسون وقانونيون واستشاريون ومتخصصون، أيضا سيحل مشكلة عدم وجود منهجية لإدارة المشاريع لدى أغلب الجهات الحكومية، وبالتالي ستمارس مهنة إدارة المشاريع ليس على الخبرة والرأي الشخصي فقط وإنما على منهج علمي رصين، أيضا سيحل مشكلة إدارة المعرفة في المشاريع وتحويل المعارف الكامنة لدى الممارسين الخبراء إلى معرفة ظاهرة يمكن تداولها وتعليمها من جيل إلى آخر، أيضا سيحل مشكلة التدريب والتطوير للموارد البشرية السعودية والاستفادة من مشاريعنا في تعليم أبناء البلد لا غيرهم. وأخيرا لا ننسى المثل العربي الشهير ”أعط القوس باريها”.

تم النشر في الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2011/05/05/article_534740.html#comment_615203

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.